الصلاة
صفحة 1 من اصل 1
الصلاة
-
الصلاة»
كان
في أوائل ما نزل في الإسلام الأمر بالصلاة ، قال مقاتل بن سليمان: فرض
الله في أول الإسلام الصلاة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشى ،لقوله تعالى : (
وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار) وعن زيد بن حارثة : أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم في أول ما أوحي إليه أتاه جبريل ، فعلمه الوضوء ، فلما فرغ من
الوضوء أخذ غرفة من ماء فنضح بها فرجه ،وكان ذلك من أول الفريضة . وذكر بعض
أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى
شعاب مكة، وخرج معه على بن أبي طالب مستخفيا من أبيه ومن جميع أعمامه وسائر
قومه فيصليان الصلوات فيها، فإذا أمسيا رجعا، فمكثا كذلك ما شاء الله أن
يمكثا، ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما وهما يصليان، فقال لرسول الله صلى
الله عليه وسلم: يا ابن أخي، ما هذا الدين الذي أراك تدين به؟ قال: أي عم،
هذا دين الله ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا إبراهيم بعثني الله به
رسولا إلى العباد، وأنت يا عم أحق من بذلت له النصيحة، ودعوته إلى الهدى،
وأحق من أجابني إليه وأعانني عليه، فقال أبو طالب: أي ابن أخي، إني لا
أستطيع أن أفارق دين آبائي وما كانوا عليه، ولكن والله لا يخلص إليك بشيء
تكرهه ما بقيت.
خبر الدعوة يصل إلي قريش إجمالا»
ترامت
أنباء الدعوة إلى قريش فلم تعرها اهتماما ،ولعلها حسبت محمدا صلى الله
عليه وسلم أحد أولئك الديانين الذين يتكلمون في الألوهية وحقوقها ، كما صنع
أمية بن أبي الصلت ،وقس بن ساعدة ،وعمرو بن نفيل وأشباههم ، إلا أنها
توجست خيفة من ذيوع خبره وامتداد أثره ،وأخذت ترقب على الأيام مصيره ودعوته
. وظل النبي صلي الله عليه وسلم يدعو إلي الإسلام سرا مدة ثلاث سنوات.
الجهر بالدعوة
»
مرت
ثلاث سنين والدعوة لم تزل سرية وفردية ،وخلال هذه الفترة تكونت جماعة من
المؤمنين تقوم على الأخوة والتعاون ،وتبليغ الرسالة وتمكينها من مقامها، ثم
نزل الوحي يكلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعالنة قومه ، ومجابهة
باطلهم ومهاجمة أصنامهم . وأول ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
نزول هذه الآية أنه دعا بني هاشم فحضروا ومعهم نفر من بني المطلب بن عبد
مناف فكانوا خمسة وأربعين رجلا . فبادره أبو لهب وقال : وهؤلاء هم عمومتك
وبنو عمك فتكلم ودع الصباة واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة ، وأنا
أحق من أخذك، فحسبك بنو أبيك (أي اقصر دعوتك على أهلك فقط) ،وإن أقمت على
ما أنت عليه فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قريش ، وتمدهم العرب ، فما
رأيت أحدا جاء على بني أبيه بشر مما جئت به ، فسكت رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،ولم يتكلم في ذلك المجلس . ثم دعاهم ثانية وقال " الحمد لله أحمده
وأستعينه ،وأومن به ، وأتوكل عليه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له ثم قال : إن الرائد لا يكذب أهله والله الذي لا إله إلا هو ، إنى رسول
الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة ،والله لتموتن كما تنامون ، ولتبعثن كما
تستيقظون ، ولتحاسبن بما تعملون ،وإنها الجنة أبدا أو النار أبدا ، "فقال
أبو طالب ": ما أحب إلينا معاونتك ،وأقبلنا لنصيحتك ,وأشد تصديقنا لحديثك
،وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون ، وإنما أنا أحدهم غير أني أسرعهم إلى ما تحب ،
فامض لما أمرت به فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك ، غير أن نفسي لا تطاوعني
على فراق دين عبد المطلب . فقال أبو لهب : هذه والله السوءة ، خذوا على
يديه قبل أن يأخذ غيركم ، فقال أبو طالب :والله لنمنعه ما بقينا
على جبل الصفا
»
وبعدما
تأكد النبي صلى الله عليه وسلم من تعهد أبي طالب بحمايته ، وهو يبلغ عن
ربه ، قام يوما على الصفا فصرخ : يا صباحاه : فاجتمع إليه بطون قريش،
فدعاهم إلى التوحيد والإيمان برسالته وباليوم الآخر. وقد روى البخاري طرفا
من هذه القصة عن ابن عباس . قال: لما نزلت (وأنذر عشيرتك الأقربين) صعد
النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا ، فجعل ينادي يا بني فهر يا بنى عدي
لبطون قريش، حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر
ما هو؟ فجاء أبو لهب وقريش .فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم :أرأيتكم
لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم ، أكنتم مصدقي؟ قالوا : نعم
، ما جربنا عليك إلا صدقا ،قال : فإنى نذير لكم بين يدي عذاب شديد . فقال
أبو لهب تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا ؟ فنزلت ( تبت يدا أبي لهب ) . هذه
الصيحة العالية هي غاية البلاغ ، فقد أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم
لأقرب الناس إليه أن التصديق بهذه الرسالة هو حياة الصلات بينه وبينهم .
وأن عصبية القرابة التي يقوم عليها العرب ذابت في حرارة هذا الإنذار الآتي
من عند الله. ولم يزل هذا الصوت يرتج دويه في أرجاء مكة حتى نزل قوله تعالى
: ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ) [15 : 94] فقام رسول الله صلى
الله عليه وسلم يعكر على خرافات الشرك وترهاته ،ويذكر حقائق الأصنام وما
لها من قيمة في الحقيقة ،يضرب بعجزها الأمثال ، ويبين بالبينات أن من عبدها
وجعلها وسيلة بينه وبين الله فهو في ضلال مبين
رد فعل المشركين »
انفجرت
مكة بمشاعر الغضب ، وماجت بالغرابة والاستنكار ، حين سمعت صوتا يجهر
بتضليل المشركين وعباد الأصنام كأنه صاعقة قصفت السحاب ، فرعدت وبرقت
وزلزلت الجو الهادئ وقامت قريش تستعد لحسم هذه الثورة التي اندلعت بغتة ،
ويخشي أن تأتى على تقاليدها وموروثاتها . ولكن ماذا سيفعلون أمام رجل صادق
أمين ، أعلى مثل للقيم البشرية ولمكارم الأخلاق ، لم يعرفوا له نظيرا ولا
مثيلا خلال فترة طويلة من تاريخ الآباء والأقوام ؟ ماذا سيفعلون ؟ تحيروا
في ذلك وحق لهم أن يتحيروا . فاجتمعت قريش للنبي صلي الله عليه وسلم يوما ،
فقالوا : انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر ، فليأت هذا الرجل الذي قد
فرق جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وعاب ديننا ، فليكلمه ولينظر ما يرد عليه ،
قالوا : ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة ، قالوا : أنت يا أبا الوليد ،
فأتاه عتبة فقال : يا محمد أنت خير أم عبد الله ؟ فسكت الرسول صلي الله
عليه وسلم قال : أنت خير أم عبد المطلب ؟ فسكت الرسول صلي الله عليه وسلم
قال : فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت ، وإن كنت
تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك ، أما والله ما رأينا سخطة أشأم علي
قومك منك ، فرقت جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وعبت ديننا ، وفضحتنا في العرب
حتى طار فيهم أن في قريش ساحرا ، وأن في قريش كاهنا ، ما ينتظر إلا مثل
صيحة الحبلى بأن يقوم بعضنا لبعض بالسيوف حتى نتفانى ، أيها الرجل : إن كان
إنما بك الحاجة جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أغني قريشا رجلا, وإن كان
إنما بك الباءة فاختر آي نساء قريش فنزوجك عشرا ، فقال له الرسول صلي الله
عليه وسلم : أفرغت ؟ قال : نعم فقال رسول صلي الله عليه وسلم : ( حم *
تنزيل من الرحمن الرحيم ) حتى بلغ ( فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل
صاعقة عاد وثمود ) فقال عتبة : حسبك ، ما عندك غير هذا ؟ قال : لا، فرجع
إلي قريش فقالوا : ما وراءك ؟ فقال : ما تركت شيئا أرى أنكم تكلمونه به إلا
كلمته ، قالوا : هل أجابك ؟ قال : نعم ، قال : والذي نصبها بنية ما فهمت
شيئا مما قال غير أنه قال أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ، قالوا :
ويلك يكلمك رجل بالعربية فلا تدرى ما قال ، قال : لا والله ما فهمت شيئا
مما قال غير ذكر الصاعقة . وبعد إدارة فكرتهم لم يجدوا سبيلا إلا أن يأتوا
إلى عمه أبي طالب فيطلبوا منه أن يكف ابن أخيه عما هو فيه ، ورأوا لإلباس
طلبهم لباس الجد والحقيقة أن يقولوا إن الدعوة إلى ترك آلهتهم ، والقول
بعدم نفعها وقدرتها سبة قبيحة وإهانة شديدة لها ، وفيه تسفيه وتضليل
لآبائهم الذين كانوا على هذا الدين ، وجدت قريش هذا السبيل فتسارعوا إلى
سلوكها . فمشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب ، فقالوا : يا أبا طالب إن
ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا ، وضلل آباءنا فإما أن تكفه
عنا ، وإما تخلي بيننا وبينه ، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه ،
فنكفيكه فقال أبو طالب قولا رقيقا وردهم ردا جميلا فانصرفوا عنه ، ومضى
رسول صلي الله عليه وسلم على ما هو عليه ، يظهر دين الله ويدعو إليه
دار الأرقم»
كان
من الحكمة تلقاء هذه الاضطهادات أن يمنع رسول الله صلى الله عليه المسلمين
عن إعلان إسلامهم قولا أو فعلا ، وأن لا يجتمع بهم إلا سرا ؛ لأنه إذا
اجتمع بهم علنا فلا شك أن المشركين يحولون بينه وبين ما يريد من تزكية
المسلمين وتعليمهم الكتاب والحكمة ، وربما يفضي ذلك إلى تصادم الفريقين ،
بل وقع ذلك فعلا في السنة الرابعة من النبوة ، وذلك أن أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم كانوا يجتمعون في الشعاب ، فيصلون فيها سرا فرآهم نفر من
كفار قريش ، فسبوهم وقاتلوهم ، فضرب سعد بن أبي وقاص رجلا فسال دمه ، وكان
أول دم أهريق في الإسلام . ومعلوم أن المصادمة لو تعددت وطالت لأفضت إلى
تدمير المسلمين وإبادتهم ، فكان من الحكمة الاختفاء ، فكان عامة الصحابة
يخفون إسلامهم وعبادتهم ودعوتهم واجتماعهم ، أما الرسول صلى الله عليه وسلم
فكان يجهر بالدعوة والعبادة بين ظهراني المشركين ،لا يصرفه عن ذلك شئ ،
ولكن كان يجتمع مع المسلمين سرا ؛ نظرا لصالحهم وصالح الإسلام ،وكانت دار
الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي على الصفا ،وكانت بمعزل عن أعين الطغاة
ومجالسهم ، فاتخذها مركزا لدعوته ،ولاجتماعه بالمسلمين من السنة الخامسة من
النبوة . وفي هذه الدار تربى الجيل الذي حمل لواء الإسلام بعد ذلك
الصلاة»
كان
في أوائل ما نزل في الإسلام الأمر بالصلاة ، قال مقاتل بن سليمان: فرض
الله في أول الإسلام الصلاة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشى ،لقوله تعالى : (
وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار) وعن زيد بن حارثة : أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم في أول ما أوحي إليه أتاه جبريل ، فعلمه الوضوء ، فلما فرغ من
الوضوء أخذ غرفة من ماء فنضح بها فرجه ،وكان ذلك من أول الفريضة . وذكر بعض
أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى
شعاب مكة، وخرج معه على بن أبي طالب مستخفيا من أبيه ومن جميع أعمامه وسائر
قومه فيصليان الصلوات فيها، فإذا أمسيا رجعا، فمكثا كذلك ما شاء الله أن
يمكثا، ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما وهما يصليان، فقال لرسول الله صلى
الله عليه وسلم: يا ابن أخي، ما هذا الدين الذي أراك تدين به؟ قال: أي عم،
هذا دين الله ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا إبراهيم بعثني الله به
رسولا إلى العباد، وأنت يا عم أحق من بذلت له النصيحة، ودعوته إلى الهدى،
وأحق من أجابني إليه وأعانني عليه، فقال أبو طالب: أي ابن أخي، إني لا
أستطيع أن أفارق دين آبائي وما كانوا عليه، ولكن والله لا يخلص إليك بشيء
تكرهه ما بقيت.
خبر الدعوة يصل إلي قريش إجمالا»
ترامت
أنباء الدعوة إلى قريش فلم تعرها اهتماما ،ولعلها حسبت محمدا صلى الله
عليه وسلم أحد أولئك الديانين الذين يتكلمون في الألوهية وحقوقها ، كما صنع
أمية بن أبي الصلت ،وقس بن ساعدة ،وعمرو بن نفيل وأشباههم ، إلا أنها
توجست خيفة من ذيوع خبره وامتداد أثره ،وأخذت ترقب على الأيام مصيره ودعوته
. وظل النبي صلي الله عليه وسلم يدعو إلي الإسلام سرا مدة ثلاث سنوات.
الجهر بالدعوة
»
مرت
ثلاث سنين والدعوة لم تزل سرية وفردية ،وخلال هذه الفترة تكونت جماعة من
المؤمنين تقوم على الأخوة والتعاون ،وتبليغ الرسالة وتمكينها من مقامها، ثم
نزل الوحي يكلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعالنة قومه ، ومجابهة
باطلهم ومهاجمة أصنامهم . وأول ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
نزول هذه الآية أنه دعا بني هاشم فحضروا ومعهم نفر من بني المطلب بن عبد
مناف فكانوا خمسة وأربعين رجلا . فبادره أبو لهب وقال : وهؤلاء هم عمومتك
وبنو عمك فتكلم ودع الصباة واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة ، وأنا
أحق من أخذك، فحسبك بنو أبيك (أي اقصر دعوتك على أهلك فقط) ،وإن أقمت على
ما أنت عليه فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قريش ، وتمدهم العرب ، فما
رأيت أحدا جاء على بني أبيه بشر مما جئت به ، فسكت رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،ولم يتكلم في ذلك المجلس . ثم دعاهم ثانية وقال " الحمد لله أحمده
وأستعينه ،وأومن به ، وأتوكل عليه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له ثم قال : إن الرائد لا يكذب أهله والله الذي لا إله إلا هو ، إنى رسول
الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة ،والله لتموتن كما تنامون ، ولتبعثن كما
تستيقظون ، ولتحاسبن بما تعملون ،وإنها الجنة أبدا أو النار أبدا ، "فقال
أبو طالب ": ما أحب إلينا معاونتك ،وأقبلنا لنصيحتك ,وأشد تصديقنا لحديثك
،وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون ، وإنما أنا أحدهم غير أني أسرعهم إلى ما تحب ،
فامض لما أمرت به فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك ، غير أن نفسي لا تطاوعني
على فراق دين عبد المطلب . فقال أبو لهب : هذه والله السوءة ، خذوا على
يديه قبل أن يأخذ غيركم ، فقال أبو طالب :والله لنمنعه ما بقينا
على جبل الصفا
»
وبعدما
تأكد النبي صلى الله عليه وسلم من تعهد أبي طالب بحمايته ، وهو يبلغ عن
ربه ، قام يوما على الصفا فصرخ : يا صباحاه : فاجتمع إليه بطون قريش،
فدعاهم إلى التوحيد والإيمان برسالته وباليوم الآخر. وقد روى البخاري طرفا
من هذه القصة عن ابن عباس . قال: لما نزلت (وأنذر عشيرتك الأقربين) صعد
النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا ، فجعل ينادي يا بني فهر يا بنى عدي
لبطون قريش، حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر
ما هو؟ فجاء أبو لهب وقريش .فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم :أرأيتكم
لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم ، أكنتم مصدقي؟ قالوا : نعم
، ما جربنا عليك إلا صدقا ،قال : فإنى نذير لكم بين يدي عذاب شديد . فقال
أبو لهب تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا ؟ فنزلت ( تبت يدا أبي لهب ) . هذه
الصيحة العالية هي غاية البلاغ ، فقد أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم
لأقرب الناس إليه أن التصديق بهذه الرسالة هو حياة الصلات بينه وبينهم .
وأن عصبية القرابة التي يقوم عليها العرب ذابت في حرارة هذا الإنذار الآتي
من عند الله. ولم يزل هذا الصوت يرتج دويه في أرجاء مكة حتى نزل قوله تعالى
: ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ) [15 : 94] فقام رسول الله صلى
الله عليه وسلم يعكر على خرافات الشرك وترهاته ،ويذكر حقائق الأصنام وما
لها من قيمة في الحقيقة ،يضرب بعجزها الأمثال ، ويبين بالبينات أن من عبدها
وجعلها وسيلة بينه وبين الله فهو في ضلال مبين
رد فعل المشركين »
انفجرت
مكة بمشاعر الغضب ، وماجت بالغرابة والاستنكار ، حين سمعت صوتا يجهر
بتضليل المشركين وعباد الأصنام كأنه صاعقة قصفت السحاب ، فرعدت وبرقت
وزلزلت الجو الهادئ وقامت قريش تستعد لحسم هذه الثورة التي اندلعت بغتة ،
ويخشي أن تأتى على تقاليدها وموروثاتها . ولكن ماذا سيفعلون أمام رجل صادق
أمين ، أعلى مثل للقيم البشرية ولمكارم الأخلاق ، لم يعرفوا له نظيرا ولا
مثيلا خلال فترة طويلة من تاريخ الآباء والأقوام ؟ ماذا سيفعلون ؟ تحيروا
في ذلك وحق لهم أن يتحيروا . فاجتمعت قريش للنبي صلي الله عليه وسلم يوما ،
فقالوا : انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر ، فليأت هذا الرجل الذي قد
فرق جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وعاب ديننا ، فليكلمه ولينظر ما يرد عليه ،
قالوا : ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة ، قالوا : أنت يا أبا الوليد ،
فأتاه عتبة فقال : يا محمد أنت خير أم عبد الله ؟ فسكت الرسول صلي الله
عليه وسلم قال : أنت خير أم عبد المطلب ؟ فسكت الرسول صلي الله عليه وسلم
قال : فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت ، وإن كنت
تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك ، أما والله ما رأينا سخطة أشأم علي
قومك منك ، فرقت جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وعبت ديننا ، وفضحتنا في العرب
حتى طار فيهم أن في قريش ساحرا ، وأن في قريش كاهنا ، ما ينتظر إلا مثل
صيحة الحبلى بأن يقوم بعضنا لبعض بالسيوف حتى نتفانى ، أيها الرجل : إن كان
إنما بك الحاجة جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أغني قريشا رجلا, وإن كان
إنما بك الباءة فاختر آي نساء قريش فنزوجك عشرا ، فقال له الرسول صلي الله
عليه وسلم : أفرغت ؟ قال : نعم فقال رسول صلي الله عليه وسلم : ( حم *
تنزيل من الرحمن الرحيم ) حتى بلغ ( فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل
صاعقة عاد وثمود ) فقال عتبة : حسبك ، ما عندك غير هذا ؟ قال : لا، فرجع
إلي قريش فقالوا : ما وراءك ؟ فقال : ما تركت شيئا أرى أنكم تكلمونه به إلا
كلمته ، قالوا : هل أجابك ؟ قال : نعم ، قال : والذي نصبها بنية ما فهمت
شيئا مما قال غير أنه قال أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ، قالوا :
ويلك يكلمك رجل بالعربية فلا تدرى ما قال ، قال : لا والله ما فهمت شيئا
مما قال غير ذكر الصاعقة . وبعد إدارة فكرتهم لم يجدوا سبيلا إلا أن يأتوا
إلى عمه أبي طالب فيطلبوا منه أن يكف ابن أخيه عما هو فيه ، ورأوا لإلباس
طلبهم لباس الجد والحقيقة أن يقولوا إن الدعوة إلى ترك آلهتهم ، والقول
بعدم نفعها وقدرتها سبة قبيحة وإهانة شديدة لها ، وفيه تسفيه وتضليل
لآبائهم الذين كانوا على هذا الدين ، وجدت قريش هذا السبيل فتسارعوا إلى
سلوكها . فمشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب ، فقالوا : يا أبا طالب إن
ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا ، وضلل آباءنا فإما أن تكفه
عنا ، وإما تخلي بيننا وبينه ، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه ،
فنكفيكه فقال أبو طالب قولا رقيقا وردهم ردا جميلا فانصرفوا عنه ، ومضى
رسول صلي الله عليه وسلم على ما هو عليه ، يظهر دين الله ويدعو إليه
دار الأرقم»
كان
من الحكمة تلقاء هذه الاضطهادات أن يمنع رسول الله صلى الله عليه المسلمين
عن إعلان إسلامهم قولا أو فعلا ، وأن لا يجتمع بهم إلا سرا ؛ لأنه إذا
اجتمع بهم علنا فلا شك أن المشركين يحولون بينه وبين ما يريد من تزكية
المسلمين وتعليمهم الكتاب والحكمة ، وربما يفضي ذلك إلى تصادم الفريقين ،
بل وقع ذلك فعلا في السنة الرابعة من النبوة ، وذلك أن أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم كانوا يجتمعون في الشعاب ، فيصلون فيها سرا فرآهم نفر من
كفار قريش ، فسبوهم وقاتلوهم ، فضرب سعد بن أبي وقاص رجلا فسال دمه ، وكان
أول دم أهريق في الإسلام . ومعلوم أن المصادمة لو تعددت وطالت لأفضت إلى
تدمير المسلمين وإبادتهم ، فكان من الحكمة الاختفاء ، فكان عامة الصحابة
يخفون إسلامهم وعبادتهم ودعوتهم واجتماعهم ، أما الرسول صلى الله عليه وسلم
فكان يجهر بالدعوة والعبادة بين ظهراني المشركين ،لا يصرفه عن ذلك شئ ،
ولكن كان يجتمع مع المسلمين سرا ؛ نظرا لصالحهم وصالح الإسلام ،وكانت دار
الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي على الصفا ،وكانت بمعزل عن أعين الطغاة
ومجالسهم ، فاتخذها مركزا لدعوته ،ولاجتماعه بالمسلمين من السنة الخامسة من
النبوة . وفي هذه الدار تربى الجيل الذي حمل لواء الإسلام بعد ذلك
مواضيع مماثلة
» كيف تعشق الصلاة
» المِرْقَاة إلى احكام الصلاة
» وصف الرسول عليه الصلاة والسلام
» 6 صفات من علامة النفاق في الصلاة
» هل يجب إيقاض النائم لأجل الصلاة
» المِرْقَاة إلى احكام الصلاة
» وصف الرسول عليه الصلاة والسلام
» 6 صفات من علامة النفاق في الصلاة
» هل يجب إيقاض النائم لأجل الصلاة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى